مرحبا بك على موسوعة قصص وحكايات، معهد القصص العربية والعالمية قصص جديدة كل يوم حصرية للاطفال وللكبار، نحكي لكم اليوم قصة بعنوان “قصة هدية العيد“، نتمنى أن تنال إعجابكم وللمزيد من القصص والحكايات يكمنك تصفح موقعنا يوميا.

نشأ سليم في بيت سعيد، بين أبوين فاضلين. لم يكن غنيّا، لكنه كمعظم أبناء المدينة، كان مكتفيا، يتمتع بكل ما يحتاجه من مأكل وملبس، فضلا عن الثقة التي خصه بها أبوه، والحنان الذي لقيه من أمه، وكان سليم بدوره، يبادل أباه المحبة والاحترام، لكن عاطفته لأنه كانت فوق كل عاطفة. فهو طالما جلس إليها، وباح لها بهموم قلبه الصغير، مما يحدث له في المدرسة مع رفاقه، أو مع معلميه… وكانت أمه تصغي إليه جيدا، حتى إذا طرح سؤاله طالبا رأيها، بادرت بهدوء إلى نصحه وإرشاده، وما أسرع ما تفاهما وحلت المشكلة…

إنطلاقاً من هذه العاطفة القوية نحو أمه كان سليم يقدم لها الخدمات التي يقدر عليها… کشراء اللحم من اللحام القريب، والفاكهة والخضار من جارهم البقال… وتعبيرا عن رضاها عنه وعن سلوکه واجتهاده، كانت الأم لا تبخل عليه (بالخرجّية) للمناسبات المدرسية أو سواها، فيتصرف سليم بقسم من (خرجيته) ويحتفظ بالقسم الآخر… فتجمعت له، مع الأيام، كمية لا بأس بها، فكان يحتضنها سراً وبعدها، محدثاً نفسه عن الهدف الذي جمعها من أجله هدية لأنه في العيد!.. وصار العيد يقترب، ومحلات الهدايا والثياب تزدحم بالناس، يوما بعد يوم… وكلما مر سليم بهذه المحلات، توقف مليا أمام واجهاتها، وتأمل الأشياء الجميلة المعروضة، التي يمكن أن يختار منها هديته الأجمل أم في الدنيا؟ وكيف خفق قلبه لهاجسه الأوحد!… هذا العقد المزوق يليق بعنقها! وهذا الشال الحريري رائع على كتفيها!…

وكثيرا ما حمل سليم في جيبه ما تجمع له من نقود، ودخل أحياناً إلى المحلات مستفهما عن سعر هذا الشيء أو ذاك… استعدادا لليوم المرتقب… ولكن، قبل العيد بيوم، حدث لسليم ما لم يكن في الحسبان. ففيما هو واقف في الصف عند اللحام، ينتظر دوره، لشراء ما أوصته عليه أمه، لاحظ إلى
جانبه رجلاً جبلياً في منتصف العمر، والقلق باد على محياه… إستحوذ هذا الرجل باهتمام سليم… كأنما سبق له أن رآه من قبل… ولكن أين؟ وتناهى إلى سمعه من أحد الواقفين بمحاذاته: (مهجر..) (له عائلة كبيرة.) … إقترب سليم من الرجل الغريب، وراح يتأمله، محاولا استدراج ذاكرته…

فسمعه يتحدث إلى رفيقه: تبا لهذه الأيام السوداء ما الأمر يا أخي؟ خير إن شاء الله! لقد وعدت زوجتي وأولادي الخمسة باللحم الوقعة العيد في الغد، ولم يخطر لي أن اللحم الذي لم يدخل بيتنا منذ أشهر، أصبح بهذا الغلاء… الله کریم… صحيح… الله كريم ! …. للحال تذكر سليم الرجل! إنه صاحب بیت الجبل الذي كانوا يصطافون فيه… إنه حتما هو… أبو فريد… وله خمسة أولاد… ورغم مرور ثلاث سنين لا يزال يذكرهم جيدا، لأنه طالما لعب معهم: فريد، وليد، وسام… وريمة والطفلة سوسو…

وكيف كانوا يتحلقون حول والدهم، يتبادلون النكات والأخبار الطريفة، وهو مستلق سعيد… تقدم سليم خطوة إلى الأمام، وتفرس في وجه الرجل الجبلي…! إنه هو… بكل تأكيد أبو فرید! یا حرام!… كيف هُجر مع عائلته!.. في تلك اللحظة استدار الرجل نحو سليم، لكنه لم يعرفة… إن ثلاث سنين جعلت من ابن الثماني فتى كبيرا… وفيما سلیم شاخص في اللاشيء وعبارة الله کریم، لا تزال تتردد في أذنيه، عن له خاطر، فانتفض كأنما استفاق من غفلته… وبطريقة عفوية امتدت يمناه إلى جيبه، حيث ترقد حفنة النقود…

وفي غمرة انفعاله مما شاهد وسمع، نسي كل شيء عن أهمية هذه الحفنة بالنسبة إليه، نسي أنها جمعت على اسم أمه التي لا يحب إنسانا على الأرض بقدر ما يحثها، تلفت حوله بحذر، لئلا يراه أحد، وبخفّة سحب النقود من جيبه وألقاها في جيب الرجل، وأطلق لساقيه العنان… راح سليم يركض ويتلفّت وراءه، كأنما هو خائف أن يلحق به أحد… راح يركض ويجهش في البكاء، حتى إذا ما وصل إلى البيت، ارتمى على سريره وهو لا يزال يشرق دموعه… هرعت أمه اليه ملهوفة تستفهم عن سبب تصرفه: هل ضربه أحد؟ هل أغضبه أحد أو أهانه؟ كلا… كلا… كلا! ظل الصبي يصيح، وهو لا يزال يبكي… ويردد: عفوك يا أمي… عفوك… لأني تصرفت بثمن هديتك!

ماذا؟ ما الذي عناه الصبيّ، تساءلت الأم بذهول؟ وهي تحمل له كوب ماء، وتقربه من فمه اليشرب، لعل عصبيته تهدأ! ببساطة روی سلم لأمه قصته مع أبي فريد، صاحب بيتهم في الجبل. منتهيا إلى وضع النقود في جيبه، ليشتري لعائلته المهجرة لحما لوقعة العيد…

مرت لحظات، قبل أن تستجمع أم سليم أطراف الرواية، حتى إذا استوعبتها جيدا أخذت ذراعي ابنها وطوقتهما حول عنقها. وبشفتيها المحرورتين مسحت بقايا دموعه، وهي تهمس في أذنيه: يا الله يا حبيبي! إن عملك هو أفضل هدية تسلمتها في حياتي!… لو تعلم كم أنا فخورة بك!.. لو تعلم كم أنا سعيدة الآن !… آه لو تعلم يا ولدي !